قصر الصلاة للمسافر سنة مؤكدة
هل يجوز للمسافر أن يتم الصلاة ؟ فيصليها أربع ركعات ؟
قصر
الصلاة للمسافر سنة مؤكدة لا ينبغي تركها ، باتفاق الأئمة ، إلا ما يُحكى
عن الشافعي في أحد قوليه : أن الإتمام أفضل ، ولكن الصحيح من مذهبه : أن
القصر أفضل .
وانظر : "المجموع" للنووي (4/218- 223) .
ويدل على
تفضيل القصر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره ،
ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الصلاة وهو مسافر قط .
قال أنس
بن مالك رضي الله عنه : (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ) رواه
البخاري (1081) ومسلم (724) .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : (صَحِبْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ
فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ
كَذَلِكَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) رواه البخاري (1102) وسلم (689) .
يعني في أول خلافة عثمان ، وإلا فعثمان رضي الله عنه كان يتم في آخر خلافته .
ولما
بلغ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى
بمنى أربع ركعات قال : (إنا لله وإنا إليه راجعون ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ،
وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِنًى
رَكْعَتَيْنِ ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ) رواه البخاري (1084) ومسلم (695) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ويكره
إتمام الصلاة في السفر ، قال أحمد : لا يعجبني ، ونقل عن أحمد إذا صلى
أربعاً أنه توقف في الإجزاء ، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة كان يتم على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ، وحديث عائشة في مخالفة ذلك لا
تقوم به الحجة" انتهى من "الاختيارات" (ص 32) .
وقال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (1/464) :
"وكان
صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية ، فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافراً
إلى أن يرجع إلى المدينة ، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره البتة .
وأما
حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ، ويفطر
ويصوم ، فلا يصح ، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هو كذب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .
وقد رُوي : كان يقصر وتُتم ، ويفطر وتصوم .
قال
شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ، ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجميع أصحابه ، فتصلي خلاف صلاتهم" انتهى .
بل ذهب بعض الأئمة كالإمام أبي حنيفة وابن حزم رحمهما الله إلى أن قصر الصلاة للمسافر واجب ، ولا يجوز له إتمامها .
والراجح
هو قول جمهور العلماء ، أن القصر سنة مستحبة وليس واجباً ، ويدل لذلك أن
عثمان وعائشة رضي الله عنهما ، قد أتما الصلاة في السفر ، ولو كان القصر
واجباً لما أتما ، وقد تابع الصحابة عثمان رضي الله عنهم على إتمام الصلاة
بمنى ، ولو كان الإتمام حراماً ، لم يتابعوه في ذلك .
قال الإمام
الشافعي رحمه الله : "لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتم عثمان ولا عائشة
ولا ابن مسعود ، ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم" انتهى من "الأم" (1/159) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/358- 362) :
"وقال
بعض أهل العلم : إن الإتمام مكروه ، لأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه
وسلم المستمر الدائم ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أتم أبداً في سفر
، وقال : (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) وهذا القول اختيار شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا قول قوي ، بل لعله أقوى الأقوال .
وقال بعض أهل العلم : أن القصر واجب ، وأن من أتم فهو آثم ...
والذي
يترجح لي - وليس ترجحاً كبيراً - هو أن الإتمام مكروه ، وليس بحرام ، وأن
من أتم فإنه لا يكون عاصياً ، هذا من الناحية النظرية .
وأما من الناحية العملية فهل يليق بالإنسان أن يفعل شيئاً يُخشى أن يكون عاصياً فيه ؟
فلا
ينبغي من الناحية المسلكية والتربوية ، بل افعل ما يكون هو السنة ، فإن
ذلك أصلح لقلبك ، حتى وإن كان يجوز لك خلافة " انتهى باختصار .
وعلى هذا
؛ فالأفضل للمسافر أن يقصر الصلاة ، ولكن ... ليس له أن يترك صلاة الجماعة
من أجل القصر ، بل يجب عليه أن يصلي جماعة ، فإن كان الإمام مقيماً أتم
الصلاة معه ، وإن كان مسافراً ، قصر معه الصلاة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26186) و(40299).