المدير العام Admin
عدد المساهمات : 178 تاريخ التسجيل : 09/09/2011
| موضوع: شرح الباعث الحثيث في اختصر علوم الحديث السبت نوفمبر 19, 2011 2:11 pm | |
| سلام عليكم
فإنَّي أحمد إليكم الله الذي لا أله إلاَّ هو
وبعد :
حان الآن وقت الشروع بما وعدنا به إخواننا في هذا المنتدى الطيب المبارك ، من شرح كتاب :" اختصار علوم الحديث ". للحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى ، والشيء بالشيء يذكر أنَّ تسمية هذا الكتاب بـ :" الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ". هو من قِبل الشيخ المحقق :" أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى ، وإلاَّ فإنَّ اسمه هو :" اختصار علوم الحديث ". كما سنعرف هذا لاحقاً إن شاء الله تعالى . مقدمة لابد منها
علم المصطلح : علم شعبي يمارسه الإنسان العادي في حياته اليومية وهو لا يشعر ، فإذا جاءك خبر ما من الأخبار ، فإنَّك لا تصدق هذا الخبر على الفور ، بل تتريث برهة من الزمن حتى تحاكم هذا الخبر إلى جملة من المسائل والقضايا ، من معرفة صدق الراوي من كذبه ، وهل هو حافظ واعي حضر الذهن لما يرويه ، أو مغفل ساهي ..؟؟.
وهل شاهد الخبر الذي يرويه بنفسه ، أم نقلاً عن غيره ..؟؟.
وإذا كان نقلاً عن غيره : هل هذا الذي نقل الخبر عنه ثقة حاضر الذهن أم غير ذلك ..؟؟.
ثُمَّ هل هو شاهد عيان أو أنَّه ينقل عن غيره ..؟؟. وهكذا دواليك .
أليس هذا ما نصنعه نحن في حياتنا العادية عندما يأتينا خبر ما من الأخبار ..؟.
باختصار شديد هذه هو جوهر علم المصطلح ، إذا هو مجموعة من القواعد والقوانين المتعلقة بالإسناد والمتن على السواء .
والمقصود بالإسناد : هو سلسلة الرجال الذين نقلوا لنا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
وأمَّا المتن : هو الكلام الذي ينتهي إليه الإسناد سواء انتهة الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إلى غيره .
ولنضرب مثلاً توضيحاً في ذلك ، الحديث الأول في صحيح البخاري :
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى : حدَّثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدَّثنا سفيان قال حدَّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنَّه سمع علقمة بن وقَّاص الليثي يقول سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر قال : سمعتُ ؤسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
إنَّما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
فما كان باللون الأزرق هو الذي أطلق عليه علماء المصطلح السند ، وما كان في اللون الأحمر هو :" المتن ". عندهم .
والعلم الذي يتعلق برجال الإسناد يشمل كل ما يتعلق بهم : من أسمائهم وأسماء آبائهم وكناهم وبلدانهم وشيوخهم الذين تلقوا عنهم الحديث ، وتلاميذهم الذين أخذوا منهم الحديث ، ومعرفة حالهم من الضبط و الإتقان ، وغير ذلك .
والعلم الذي يتعلق بالمتن : هو معرفة الألفاظ الصحيحة للحديث النبوي ، ومدى استقامتها ، وعدم معارضتها لما هو أصح منها ، و غير ذلك من الأمور التي تتعلق بدارسة المتون .
وقد ظهرت بوادر هذا العلم – أي علم المصطلح – في عهد الصحابة رضوان الله عليهم أنفسهم ، عندما لاحت بوادر الفتن تظهر في الأفق ، حتى سابقوها و وضعوا بعض القواعد الهامة في قبول الرواية أو ردِّها ، وبذلك أماتوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهده ، وفي ذلك يقول عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه :" إنَّا كنَّا إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب النَّاس الصعب و الذلول لم نأخذ من النَّاس – أي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – إلا ما نعرف ".
أي لمَّا سلك النَّاس في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسلك مما يُحمد أو يذم ، ترك الصحابة الرواية عمن لا يعرفونه ويعرفون حاله .
وقد ظهر علم المصطلح في كلام الأئمة الكبار لكنه كان متفرقاً ، ولعلَّ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أول من كتب فيه جملة طيبة في كتابه المعطار :" الرسالة ". لكنه لم يستقصِ كل المباحث في هذا الشأن .
ولعلَّ أول من توسع في مباحث هذا العلم الشريف الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى ت : 463هـ) وألف جملة من الكتب الهامة في هذا الصدد ككتابه الهام :" الكفاية في علم الرواية ". و :" الفقيه والمتفقه ". , :" الجامع لآداب وأخلاق السامع ". و :" تقييد العلم ". و غيرها من الكتب النافعة في هذا الشأن .
وجاء بعد ذلك دور الإمام ابن الصلاح أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن ت643هـ ). الذي استفاد كثيراً ممن سبقه في هذا الشأن ، وخصوصاً كتب الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى ، حيث قام بتأليف أول كتاب في المصطلح بالمعنى العلمي لهذه الكلمة – محرراً مبوباً مهذباً – بعد أن كان هذا العلم متناثراً في الكتب والمطولات .
فكان كتابه النافع في بابه :" معرفة علوم الحديث ". أو ما عرف عند طلاب العلم بـ :" مقدمة ابن الصلاح ".
توالت بعده المؤلفات في هذا الشأن ، وأغلبها – إن لم نقل جميعها – خرجت من رحم هذا الكتاب المفيد :" مقدمة ابن الصلاح ". إذ أنَّ أغلب من كتب بعد ابن الصلاح إمَّا أن يكون قد اختصر كتابه هذا ، كما صنع الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في هذا الكتاب الذي ننوي شرحه هنا ، أو علق عليه بنكت و فوائدة ، كما سنرى تفصيل ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
ملاحظة هامة : تكلمتُ هنا بشيء من الاختصار الشديد عن نشوء هذا العلم ، حيث ذكرت أهم الأدوار الذي نشأ فيها هذا العلم الجليل ، دون التطرق إلى التفصيل ، وذلك لأن المقام هنا لا يساعد على التفصيل في هذا الشأن .
_________________ قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : " أهل الحديث أفضل من تكلم في العلم ". انظر شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي : ( رقم 90 ). وتهذيب الكمال للمزي :(17/437) وقال مجاهد رحمه الله تعالى : " ما أدري أي النعمتين أعظم : أن هداني للإسلام ، أو عافاني من هذه الأهواء ". انظر سنن الدارمي (رقم309). وذم الكلام للهروي (4/319) | |
|