الجهر و الإسرار بالبسملة في الصلاة
الشيخ مشهور حسن
من
أخطاء بعض الأئمة : إصرارهم على ترك الجهر بالبسملة دائماً في الصلاة ، و
يقابل هذا الفريق : فريقٌ آخر من الجهال ، حيث يتركون الصّلاة خلف مَنْ لا
يجهر بها ، كما وقع لي مع كبار السِّن في بعض المرّات .
قال ابن
القيّم : ((وكان r يجهر بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) تارة ، ويخفيها أكثر
مما يجهر بها . ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس
مرات أبداً ، حضراً و سفراً ، و يخفي ذلك على خلفائه الراشدين ، وعلى جمهور
أصحابه ، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة ، هذا من أمحل المحال ، حتى يحتاج
إلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة ، و أحاديث واهية ، فصحيح تلك الأحاديث غير
صريح ، و صريحها غير صحيح ، وهذا موضع يستدعي مجلّدا ضخماً))(1) .
ونقول
للفريق الأوّل ، ما قاله الإمام الزّيلعي : ((وكان بعض العلماء يقول
بالجهر ـ أي بالبسملة ـ سدّاً للذّريعة ، قال : ويسوغ للإنسان أن يترك
الأفضل لأجل تأليف القلوب ، واجتماع الكلمة ، خوفاً من التنفير ، كما ترك
النبي r بناء البيت على قواعد إبراهيم ، لكون قريش كانوا حديثي عهد
بالجاهليّة ، وخشي تنفيرهم بذلك ، ورأى تقديم مصلحة الاجتماع على ذلك، ولما
أنكر الربيع على ابن مسعود إكماله الصّلاة خلف عثمان ، قال : الخلاف شر .
وقد نص أحمد و غيره على ذلك في البسملة ، وفي وصل الوتر ، وغير ذلك ، مما
فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول ، مراعاة لائتلاف المأمومين ، أو
لتعريفهم السنة ، و أمثال ذلك ، وهذا أصل كبير في سدّ الذّرائع))(2) .
ونقول
لهم ما قاله الشوكاني منكراً على من ذهب إلى إجبار الناس على ترك الجهر
بها و معاقبتهم ، فإنه قال ما نصه : ((فإن ما ذكرناه ها هنا ، يكفي في دفع
الإنكار ، وردع المنكر لذلك ، إذا كان ممن يعقل عن الله سبحانه ، ويعرف
مواطن الإنكار التي أيَّد الله عباده على من فعلها ، و أخذ على الحاملين
لحجج الله ، أن يأخذوا على يد مرتكبيها ، ويأطروه على الحق أطراً ، وأما
مثل هذه المسألة فليس الإنكار فيها إلا من باب إنكار المعروف ، وتفريق كلمة
عباد الله بغير حجة نيّرة ،
ولا برهان واضح و المهدي من هداه الله ))(1) .
ونقول للفريق الثاني : ثبت عن النبي r أنه لم يجهر بالبسملة .
عن أنس رضي الله عنه : أن النبي r وأبا بكر و عمر كانوا يفتتحون الصّلاة بالحمد لله رب العالمين(2) .
وفي رواية : صليت مع رسول الله r وأبي بكر و عمر و عثمان ، فلم أسمع أحد منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(3) .
وفي رواية : فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم(4).
وزاد بعضهم :
ويجهرون بالحمد لله ربّ العالمين(5) .
وفي رواية : وكانوا يسرّون ببسم الله الرحمن الرحيم(6) .
وليس
القول بعدم الجهر بها ، بدعاً من القول ، أو من الآراء الشّاذة أو الضعيفة
، أو من الآراء المهجورة ، بل ذهب إليه جماعة من الصحابة و التابعين و
فقهاء الأمصار ، منهم : عمر و علي و عمار و ابن عباس ، وقد اختلف عن بعضهم ،
فروي عنهم الجهر بها ، ولم يختلف عن ابن مسعود أنه كان يسرّها . وبه قال
الحسن و ابن سيرين ، وهذا مذهب سفيان وسائر الكوفيين و أهل الحديث : أحمد و
إسحاق و أبي عبيدة و مَنْ تابعهم(7) .
والخلاصة :الصواب أن يُقال : إن هذا أمر متّسع ، والقول بالحصر فيه ممتنع ، وكلّ مَنْ ذهب
إلى
رواية ، فهو مصيب متمسك بالسنّة ، و التّمام و الكمال متابعة المصطفى r في
كلّ الأحوال ، فيجهر بها تارة ، ويسر بها أكثر ، والله المستعان ، وهو
يهدي إلى سواء السّبيل .
--------------------------------------------------------------------------------
(1) زاد المعاد : (1/206 – 207 ) وانظر : (1/272) .
(2) نصب الراية : (1/328) . وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على (( جامع الترمذي )) : (2/19 وما بعدها ) .
(1) من رسالة له دون عنوان تضمّنت ردوداً على أسئلة السيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير ، وخطوط ؛ ضمن مجموع : (ص9) .
(2)
أخرجه البخاري في ((الصحيح)) : (2/188) و الترمذي في ((الجامع)) : رقم
(246) وعنده ((القراءة)) بدل ((الصّلاة)) وزاد : ((عثمان)) .
(3) أخرجه مسلم في ((الصحيح)) : رقم (399) .
(4) أخرجه أحمد في ((المسند)) : (3/264) و الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) : (1/119) والدار قطني في ((السنن)) :(119).
(5) أخرجه النسائي في ((المجتبى)) : (2/135) وابن حبان .
(6)
أخرجه ابن خزيمة في ((الصحيح)) : رقم (498) والطحاوي في ((شرح معاني
الآثار)) : (1/119) . ورجال هذه الروايات كلهم ثقات ، مخرج لهم في
((الصحيح)) حمع ، قاله الزّيلعي في ((نصب الراية)) : (1/327) .
(7)
الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف : (2/179 و 181) مطبوع ضمن الرسائل
المنبرية . وانظر : ((الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار)) : (ص 130)
وقد أفرد هذه المسألة جماعة من أهل العلم بالتصنيف مثل : ابن خزيمة وابن
حبان و الدار قطني و البيهقي و ابن عبد البر و آخرين .
منقول للفائدة